مثل وخز الإبرة: العنصرية في الحياة اليومية
مثل وخز الإبرة: العنصرية في الحياة اليومية
الحياة اليومية تسير أحياناً بشكل أكثر روتينيةٍ وأحيانًا أخرى أقل. المهام اليومية يتم إنجازها، والحياة اليومية معروفة، مألوفة وآمنة، وربما يمكن التنبؤ بها، رتابة يومية، روتين متكرر. وبالتالي فهي بالنسبة لمعظم الناس يمكن التنبؤ بها وهي بذلك قد تؤمن النظام الاستقرار . هذا يمكن أن يوفر الوضوح والقدرة على التوقع في ظل الوتيرة السريعة للعالم، بل إنه قد يسبب الملل أحيانًا، فهو غير مثير، وربما رتيب. قد تكون هذه هي الطريقة التي يصف بها الكثير من الناس الحياة اليومية – وهذابحدّ ذاته امتياز.
النساء اللاتي تمت مقابلتهن لا يتمتعن بهذا الامتياز. فالحياة اليومية بالنسبة لهن تتكون من تحديات مرهقة. بالنسبة لهن، الحياة اليومية مليئة بالمواقف التي تجعلها غير متوقعة بل ومصدراً للتهديد. في لمحة بصر يتم انتزاعهم من حياتهم اليومية المفترضة من خلال التعليقات والإهانات العنصرية. تُظهر إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين لديهم خلفية (عائلي) من الهجرة اللجوء يضطرون إلى التعامل مع العداء والتهديدات في حياتهم اليومية في ولاية مكلينبورغ فوربومرن. تتحدث النساء اللاتي أجريت معهن المقابلات عن المواقف التي يتمكنّ فيها من التعامل مع الحياة اليومية دون أن يكترثن، بينما يهتز روتين حياتهن بين لحظة وأخرى.
عندما تمشي في الشارع ويكون الثلج في كل مكان، وكل شيء جميل، والجميع في الخارج يلتقطون الصور. لا ترى سوى الوجوه المبتسمة، ثم يمشي رجل خلفنا ويقول: "انظروا، ها هم الرعاع".
الأشخاص الذين ينتجون العنصرية يتهدفون من خلال ذلك التسبب في معاناة المتضررين من انعدام الأمن الدائم. هذه الاستراتيجية شديدة الفعالية. وتصف النساء اللاتي تمت مقابلتهن بشكل مثير للمشاعر أنهن يشعرن بالتقييد الشديد في حياتهن اليومية نتيجة لذلك. ويذكرن العديد من سيناريوهات التهديد التي تمنعهن من الوصول إلى الأماكن العامة.
يعتبر هذا الخوف بالنسبة لهن جزءًا من حياتهن اليومية ويكاد يكون مندمجًا بشكل عشوائي في مخططاتهم اليومية: أين سأذهب للتسوق من البقالة؟ في أي محطة للحافلات سأنزل؟ أي ملعب أطفال يمكن لأطفالي اللعب فيه؟ تصبح زيارة الملاعب أو التسوق والمهمات الأخرى تهديدًا لهم. يستخدم الأشخاص الذين ينتجون العنصرية الإهانات والتهديدات، مما يخلق بيئة من الخوف والخطر. في هذا السياق قامت إحدى الأمهات بالإبلاغ عن حادثة خطيرة:
كان يوماً مشمساً وجميلاً، وكان الأطفال يلعبون كرة القدم. ثم جاءت مجموعة من المراهقين، كانوا أكبر من أطفالي. وفجأة بدأوا بتهديد الصغار: "عليكم العودة، أيها الأجانب الملاعين. عليكم العودة إلى بلدكم الأصلي، لا شأن لكم هنا، لا نحتاجكم هنا. لم يخبرني أطفالي أي شيءٍ عن هذه التجربة في البداية. بل ذهبوا في اليوم التالي للعب كرة القدم مرة أخرى. لكن ألأمر ازداد سوءاً: لقد أرادوا اللعب فقط، فطاردتهم سيارة. حتى أنهم كادوا أن يتعرضوا للدهس! لمدة ساعة كاملة كان هؤلاء الشباب يطاردون أطفالي في سيارة، وكان أطفالي يركضون بعيدًا وهم دائمًا يتبعونهم! عندما وصلوا إلى المنزل كانوا شبه فاقدين للوعي، ولم يستطيعوا التحدث من الخوف.
تفيد نساء أخريات في مكلنبورغ فوربومرن ممن يرتدين الحجاب بأنهن يتعرضن للسخرية أو الإهانة في الشارع. وتذكر النساء أنهن نادراً ما يستطعن المشاركة في الحياة العامة دون أن يتعرضن للحكم عليهن أو الإهانة. ويصفن تعرضهن للشتائم والبصق عليهن ومواجهتهن بأسئلة عنصرية. ولا يمكنهن التنقل بحرية أو دون قلق – فالحياة اليومية تصبح كالتعرض للطعن بالحراب.
يؤدي التباعد الاجتماعي وتجارب التهميش إلى المعاناة. وبالإضافة إلى الإهانات والتهديدات العنصرية المباشرة، فإن الرفض هو الرفيق الدائم للنساء اللاتي تمت مقابلتهن. فقد ذكرن أنهن يتعرضن أحيانًا للتجاهل عندما يطلبن معلومات أو يطرحن سؤالاً. وتفيد العديد من النساء أن الحياة اليومية في مكلنبورغ فوربومرن مرتبطة بكونهن "الآخرين أو الغرباء". فهن يشعرن بأنهن لا ينتمين إلى الأغلبية وأنهن مستبعدات من بيئتهن الاجتماعية مهما حاولن بشكل فردي. وتكوين الصداقات أو التواصل الاجتماعي يصبح تحديًا كبيرًا بالنسبة لهم. تخلق تجارب الإقصاء المستمرة تباعداً اجتماعياً. وتقلل هذه المسافة من الثقة وتطيل أمد الاغتراب.
تظهر المقابلات أنه من الصعب على المتضررات التغلب على هذه المسافة. ويقع عبء الجهد الناتج عن ذلك على عاتق النساء وحدهن: فهنّ مضطرات للبوح والتبرير والشرح والدفاع عن النفس باستمرار. ما يحديد معالم حياتهم اليومية هو البحث عن طرق واستراتيجيات للتأقلم، سواء كان ذلك عن طريق إقتناعهنّ أنهن ببساطة لن ينتمين إلى هذا المكان، أو عن طريق الإفراط في التكيّف حتى لا يجذبن إليهن الأنظار أو يحتكنّ مع الآخرين.
بعد كل السنوات التي عشتها هنا لا تزال لهجتي باقية ولا أستطيع التخلص منها. يشير الناس إليّ بها مراراً وتكراراً. ومهما حاولت جاهدة، لا استطيع أكون واحدة منهم.
تبدو العنصرية اليومية وكأنها وخزات صغيرة وغير متوقعة وبدون سابق إنذار تؤلمك بشكل دائم – هذا التشبيه صاغته إحدى من أجريت معهن المقابلات. الاعتداءات الصغيرة التي تعصف بالحياة اليومية للمتضررين: إهانات قصيرة ويومية، ظاهرة في التواصل والسلوك، وهي تحتوي إما عن قصد أو عن غير قصد على إساءات وشتائم عنصرية عدوانية أو مهينة أو سلبية، ودائمًا ما تنطوي على خطر عدم اكتشافها والتهاون في شأنها. تكمن خطورة هذه الوخزات في حقيقة أنه من الصعب التعرف عليها وغالبًا ما تظل غير مرئية، ليس فقط بالنسبة لمرتكبيها ولكن أيضًا بالنسبة للمتضررين منها.
حدود ما يمكن (أو لا يمكن) قوله: اللغة
حدود ما يمكن (أو لا يمكن) قوله: اللغة
ترتبط عمليات الهجرة ارتباطًا وثيقًا بالكلام واللغة. عندما يغادر الناس مناطقهم الأصلية بشكل دائم أو لفترة معينة من الزمن ويبنون وطنًا جديدًا بعد عبور الحدود الوطنية، تتغير طريقة تحدثهم.
ودائمًا ما تتنوع أسباب ومناسبات الممارسة اللغوية اليومية. فالفرص والقرارات المتعلقة بالسيرة الذاتية محصورة في هياكل محددة أو مقولبة حسب الظروف الاجتماعية. يواجه العديد من الأشخاص الذين يعبرون الحدود الوطنية للبلدان تحدي تنظيم وإدارة حياتهم اليومية بلغة جديدة. وتتحدث المشاركات في الدراسة عن أسباب مختلفة لهجرتهن أو هجرة عائلاتهن – وكل منها يؤدي إلى ممارسات لغوية منفردة. ولكن ما يوحّد النساء هو مساعيهنّ للاعتراف بانتمائهن وبهنّ كشخص وكعضو في المجتمع – من خلال اللغة أيضًا.
تعدد اللغات – موضوع مستقبلي (مرة أخرى)؟
نشأت معظم النساء اللاتي تمت مقابلتهن على لغات مختلفة، وهنّ يعرفن لغات مختلفة ويتحدثن عدة لغات و/أو لهجات. وعادة ما ينشأ الأطفال والشباب في مكلنبورغ فوربومرن الذين لم يولد آباؤهم أو أجدادهم في ألمانيا بأكثر من لغة. في القصص التي ترويها النساء عن طفولتهن متعددة اللغات وشبابهن متعدد اللغات في مكلنبورغ فوربومرن يتضّح الفرق بين اللغة التي يتحدّثن بها في محيط الأسرة وفي المجال العام.
تتحدث النساء عن السخرية والنظرات المتعالية والتمييز والعنف الذي يتعرضن له عندما لا يتحدثن الألمانية في الأماكن العامة. لقد اعتدن على استخدام اللغة الألمانية فقط في الأماكن العامة – بدافع حماية أنفسهن وحماية أطفالهن وأقاربهن. يسعى العديد من الأشخاص متعددي اللغات في حياتهم اليومية إلى تحسين مهاراتهم في اللغة الألمانية وتقديم صورة لائقة في الأماكن العامة، بما في ذلك إتقان اللغة الألمانية بشكل جيد.
لذا فإن شعوري هو أنني فعلاً سألت أمي في ذلك اليوم لأنه كان لدي شعور بأنها كانت مثالً تقليدياً عن المرأة البولندية المفرطة في الاندماج هنا، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للبولنديين في ألمانيا. ولكن، على سبيل المثال، كانت تتحدث البولندية دائمًا معنا، لذلك كان ذلك شيئاً لم تكن تخفيه ذلك. هناك بالفعل عائلات أو شيء من هذا القبيل حاولت التحدث بالألمانية فقط. لذلك نشأنا في الواقع كمزدوجيّ اللغة. كانت تتحدث البولندية كثيراً معنا وكان من المهم دائمًا بالنسبة لها أن نكون قادرين على التحدّث بها أيضاً. ولكن كان لدي شعور بأنه كان من المهم جداً بالنسبة لأمي دائماً نوع الصورة التي نقدمها نحو الخارج.
تعكس القصص التي روتها النساء في كثير من الأحيان تجاربهن حول كيفية تعامل أطفالهن مع تعدد لغاتهم في الحياة اليومية وكيف يتفاوضون مع والديهم في هذا الأمر:
عندما أتحدث مع أهالي الأطفال الآخرين باللغة الألمانية، حتى في ملعب الأطفال، عندها استدير إلى طفلي وأتحدث معه باللغة الألمانية أيضًا. ثم بعد ذلك يأتى الأمر السيّء، ليس الأسوأ ولكنه محزن حسب رأيي، عندما كنت في غرفة تغيير الملابس مع طفلي في الحضانة وقلت له شيئًا باللغة الروسية، فقال لي بصوت خافت جداً باللغة الألمانية: "أمي، الآخرون لا يفهمونك، تحدثي الألمانية" شعرت أن ذلك كان أمرًا مؤسفًا، خاصة أنه صدر منه. وأنا أعلم أن أمي، على سبيل المثال، (...) أخبرتني أنها ذات مرة عندما كانت تلعب معه، مع الطفل، قالت لها امرأة أن تتحدث الألمانية مع الطفل.
تسعى العائلات إلى إعطاء صورة متأقلمة يُفترض أن تكون متوافقة مع التوقعات الألمانية الاعتيادية، وتكيّف تصرفاتها في الأماكن العامة بحسب تلك الصورة. لا ترى العديد من النساء أن النقد المستمر للمعايير السائدة يعتبر شيئاً يستحق السعي إليه – ولا حتى في الحياة العملية. وتقرر بعض النساء عدم استخدام لغتهن الأم في السياق المهني.
التعبير عن النفس والمنافحة باللغة العربية أو الدارية أو الفارسية أو الروسية أو البولندية أو الرومانية أو المجرية أو اليونانية في سياق مهني – تصف النساء ردود الفعل على تعدد لغاتهن بأنها معقدة ومتأزّمة. وأبلغن عن مواقف تعرضن فيها للإهانة العنصرية أو التمييز بسبب تحدثهن بلغتهن الأم. ومن أجل حماية أنفسهن في حياتهن العملية، قررت العديد من النساء استخدام لغتهن الأم فقط في الحياة الخاصة.
كما تكرر مصطلح "اللغة السرية" كثيراً عندما كنت أتحدث على الهاتف متدّحثةً باللغة المجرية. ماذا أقول؟ ببساطة لقد تحدثت معي بتعالٍ، كأنني لست مساويةً لها. الموظفون غير الدائمين، على سبيل المثال، كانوا ألماناً، سُمح لهم بالعمل على صندوق المحاسبة بعد بضعة أسابيع فقط. ومع أني عملت هناك لمدة عامين لكنّي لم يُسمح لي أبدًا بالقيام بالمحاسبة. حقاً أبدأً.
بسیاری از زنان در مکلنبورگ-فورپومرن غربی به دلیل استفاده از زبان مادری خود، با تجربه تحت الحمایه بودن و محدودیت در توانایی خود برای عمل در موقعیت های روزمره متحد شده اند. چنین اپیزودهایی می تواند منجر به تبعیض، طرد شدن و پریشانی روانی شود که در صورت عدم رسیدگی - عدم بحث، مشاوره روانی اجتماعی، درمان پزشکی در صورت لزوم - می تواند عواقب گسترده ای داشته باشد.
الكلمات المفقودة في المدرسة – الممارسة اللغوية والنجاح التعليمي الرسمي
ذكرت العديد من النساء أن المدرسين لم يكونوا يؤمنون بقدرتهن على التحاق بالمدرسة الثانوية العليا بسبب عوائق اللغة خلال سنوات الدراسة الابتدائية. وقد أدى عدم صدور توصيات باللتحاق بالمدرسة الثانوية العليا إلى إبطاء المسار التعليمي للعديد من الفتيات. تتحدث بعض النساء بامتنان عن أفراد من بيئتهن – غالبًا ما يكونون أمهاتهن أو قريباتهن – الذين دعموا مسارهن التعليمي حتى عندما لم يثق بهن باقي أفراد بيئتهن.
أعتقد أنني أدين بمعظم الفضل في ذلك لأمي. مجرّد حقيقة ذهابي إلى المدرسة الثانوية العليا، هي مثال كافٍ على ذلك. في ذلك الوقت كان الجميع مندهشًا، نعم، وكانت أمي تقول: "طبعاً، بالتأكيد ستذهبين إلى المدرسة الثانوية العليا." عندما أخبرت أحدًا بذلك في المدرسة الابتدائية، سخر مني والديه. لم تكن لغتي الألمانية جيدة جداً حينها، في بعض الجوانب. ربما لأنهم كانوا ببساطة يعرفون أمي أو شيء من هذا القبيل ولأن مقدراتي اللغوية لم تكن بتلك الجودة أيضًا، لذلك كانوا يطلقون عليّ مقولة : "هي لن تتمكن من ذلك أبدًا" لذا لمجرد أنك لا تستطيع القيام بشيء ما على أكمل وجه، وخاصة اللغة، فغالبًا ما يتم وصفك بأنك لا تتمتع بمعدل ذكاء عال.
يتضّح من القصص التي روتها النساء أن المدرسة لم تكن بالنسبة لمعظمهن مكانًا مناسبًا عندما نتحدّث عن تجارب العنصرية. عند استعادة ذكرياتهنّ المدرسية تقوم النساء بإعادة تقييم تجاربهنّ مع التعرض للعنصرية في بعض مراحل طفولتهن أو مراهقتهن بأثر رجعي.
على سبيل المثال، لم يكن لدي أنا شخصياً أي تجارب عنصرية في المدرسة تخطر لي الآن. ولست أعرف إذا ما كنت قد محوت بكل بساطة بعض الأشياء من ذاكرتي. هاذا أمرٌ محتمل. من جهة أخرى، لم نكن نتحدّث في مثل هذه المواضيع على الإطلاق. لم يكن ذلك أيضًا أمراً جيداً. أي أنه لم يكن يجري التحدث أبدًا حول العنصرية، وأيضاً لم يكن يجري التحدث أبدًا عن أصولي. كان الأمر ببساطة مسكوتًا عنه تمامًا، وكان يتم التظاهر بأنني أنتمي إلى هذا المجتمع، ولكن بطريقة غريبة جدًا, لم يكن ذلك أمراً جيدًا كذلك. لذا جعلني ذلك جزءًا من ذلك، هذه تجربة مررت بها أيضًا في دائرة أصدقائي المهاجرين، الذين نشأوا في شفيرين بشكل مشابه، في نفس العمر، أننا كنا ببساطة أحيانًا نخفي هويتنا، وأن بعض الأولاد كانوا يتصرفون أحيانًا على هذا النحو، أي أنهم كانوا يطلقون على أنفسهم أسماء ألمانية، وأنني لا أتحدث الألمانية إلا مع أصدقائي حتى يومنا هذا لأننا لم نتحدث العربية مع بعضنا البعض. وأشياء من هذا القبيل. لذا لم يكن هذا الأمر جيدًا أيضاً.
يعاني التلاميذ والتلميذات الذين لديهم أصول مهاجرة من إغفال الحديث عن أوطانهم وانتماءاتهم، كأن مكانها فراغٌ أصلاً. إذا كان التعامل مع المعلمين والمعلمات وزملاء وزميلات المدرسة ينقصه الاحترام والاهتمام، فمن الصعب على الطلاب والطالبات المتعرضين لهذا النوع مت التعامل قبول عروض الانضمام إلى نفس الانتماء، هذا إذا كانت متاحة.
قوم الأطفال والشباب الذين لديهم أصول مهاجرة (عائلية) بتطوير العديد من الاستراتيجيات المختلفة كنوع من الاستجابة لـ (السكوت عن) الحديث حول الهوية والانتماء والعنصرية والتمييز. حتى أنهم يخفون هويتهم العرقية في المدرسة، ويطلقون على أنفسهم "أسماء ألمانية" ويستخدمون اللغة الأجنبية المشتركة فقط فيما بينهم حتى يكونوا مثل الآخرين – و"لا يجذبو الأنظار إليهم"
نعم، صحيح، بالضبط، لكنني أعتقد أنه بحلول الصف الثالث الابتدائي كان قد تطور بالفعل إلى هذه النقطة، خاصة عند الأطفال (...). دائما وفي مرحلة ما، تتسارع الأمور نسبياً بمجرد إغلاق بعض الأمور العالقة. هذا ما وصفته أمي أيضًا، فقد كانت صامتة جدًا لفترة طويلة، ولم تقل شيئًا تقريبًا، ثم في مرحلة ما بدأت تتحدّث كالشلال بين ليلةٍ وضحاها، حتى يومنا هذا.
أبلغت العديدُ من النساء عن مشاكل في المدرسة بسبب العجز اللغوي: فقد كن يفتقرن إلى الكلمات لتكوين صداقات، ويتذكرن صعوبات في التعلم، وبعضها لم ينحسر إلا بعد سنوات. أفادت العديد من النساء اللاتي أكملن التدريب المهني أو التحقن بالجامعة عن حياة مدرسية مليئة بالصراعات، حيث تعرضن للتهميش والرفض والعنف.
لقد كان الأمر مختلفًا حقًا عند الانتقال من المدرسة الثانوية المتوسطة إلى المدرسة الثانوية العليا. لقد أصبح الأمر أصعب بكثير. لم يفهموا ذلك. ما زلت أعاني من مشاكل في اللغة الألمانية لأنني بالكاد أتحدث الألمانية. في الحقيقة ليس لدي أي أصدقاء في المدرسة. أنا بالكاد أتحدث على الإطلاق بسبب ذلك. ولكي تتعلم اللغة عليك أن تتحدث كثيرًا، لهذا السبب ما زلت أواجه الكثير من المشاكل في المدرسة. لكنني تعرضت للإهانة أيضًا عدة مرات، باستخدام شتائم قبيحة جدّاً، من النوع غير المسموح بقولها.
تشمل "المشاكل" المذكورة هنا الإهانات ذات الدوافع العنصرية والإساءات اللفظية التي لم يتم أخذها في الاعتبار أو التعامل معها تربوياً. كما تشير النساء أيضاً إلى أنه يتم اقتراض عجزهنّ اللغوي في اللغة الألمانية بشكل تعميمي وإلصاقه بهن باعتباره من الأخطاء أو أوجه القصور. ويتحدّثن عن تجارب في المدرسة تم فيها عدم الاعتراف بتمكّنهنّ من المهارات اليومية البديهية وحتى القدرات الفكرية.
جدران غير مرئية: التمييز المؤسسي
جدران غير مرئية: التمييز المؤسسي
تصور قصص النساء مراراً وتكراراً المعاملة غير المتساوية في المكاتب والسلطات العامة. تمّ توثيق حقيقة أن الأشخاص الذين لديهم أصول مهاجرة (عائلية)، أيضاً في ولاية مكلينبورغ فوربومرن، يجدون صعوبة أكبر في العثور على سكن أو التقديم بنجاح للحصول على وظيفة عمل أو الحصول على قبول للتدريب المهني. ولا يتعلق هذا الأمر بحقيقة أنهم يواجهون أفراداً يقومون بممارسات تمييزية فحسب، بل أيضاً بحقيقة أنهم يواجهون هياكل إدارية تمكّن أو حتى تشجع السلوك التمييزي.
وتذكر النساء في ولاية مكلنبورغ فوربومرن أنهن مؤهلات تأهيلاً عالياً ومستعدات للعمل كعاملات ذوات تأهيل أقلّ من أجل الحصول على وظيفة ولا يبقين عاطلات عن العمل. وهناك نساء أخريات لديهن إمكانيات ثم يقمن بالبدأ بالدراسة مرة أخرى في مكلنبورغ فوربومرن ـ رغم أنهنّ أكملن دراستهن في بلدهن الأصلي واكتسبن خبرة عمل أولية هناك ـ حتى في مجال مختلف تماماً على الأغلب . لا تعاني النساء فقط من التقليل من قيمة مؤهلاتهن الأكاديمية وخبراتهن المهنية في ألمانيا فحسب، بل تؤدي تجاربهن في الهجرة إلى الشعور بتخفيض المستوى الاجتماعي، لأنهنّ يجدن أنفسهنّ في وضع اجتماعي واقتصادي أضعف مقارنة بوضعهن الحياتي في بلدهن الأصلي.
أنا امرأة متعلمة تعليماً عالياً. لقد درست واجتزت ثلاثة امتحانات لغة، ولكنني مضطرة لغسل الأطباق في فندق.
عند الحديث عن الهياكل التمييزية واللإقصائية التي تسود مجتمعنا، غالبًا ما يكون من الصعب تسمية ما يعانيه أو يواجهه الأشخاص الذين يصنفون اجتماعيًا على أنهم "مختلفون" و"أجانب". كما أن النساء اللاتي لديهن أصول مهاجرة يتعرضن لسلوكٍ إداريٍ غير محايدٍ. فهن يواجهن بالفعل أشكالًا متعددة من التمييز في الحياة اليومية، والتي من المرجح أن تكون أكثر قوة في الهياكل التمييزية. إن التواصل مع العديد من المؤسسات والمكاتب الحكومية المختلفة هو ببساطة أمر لا مفر منه بالنسبة لهنّ، خاصة إذا كان هناك أطفال في أسرهن.
في الحقيقة، شعرت بالراحة هنا في بادئ الأمر. على الرغم من أن العنصرية كانت دائمًا مشكلة. ولكن الأمر ازداد سوءاً بالنسبة لي عندما بدأت في ارتداء الحجاب. ثم حصلت لي الكثير من الأشياء، وأصبح جزءًا من حياتي اليومية أن يهينني الناس في الشارع. والآن أواجه صعوبات لأنني سأتخرج في الصيف من المدرسة. وحتى الآن لم أعثر على تدريب مهني لأنني دائمًا ما أتلقى الرفض بسبب الحجاب. أو أنهم لا يقولون أي شيء. وعندما أحصل على مقابلة عمل، ينظر إليّ الناس بغرابة ويجعلونني أشعر بالارتباك.
وتفيد النساء أيضاً أنهن يتعرضن للتهميش في سوق الإسكان. فهن يتعرضن لعبارات عنصرية وتمييز بسبب اسم العائلة أو كونهن أمّهات عازبات. وتتجاوز أبعاد العنصرية حدودها بشكل كبير: فمن ناحية، تتحدّث النساء عن خوفهنّ الكبير جدّاً من التقدم لوظيفة ما، وغالباً ما يكون هذا الخوف مبرراً. ومن ناحية أخرى، يواجهنّ تعميم القوالب النمطية العنصرية عليهنّ بحسب أصلهن (المنسوبات إليه) أو انعدام الشفافية عند التقدّم لاستئجار المساكن. ثم إذا انضمت عواملٌ إضافيةٌ ذات أبعاد عنصريةٌ ، مثل كونهن أمهات عازبات، يصبح العثور على شقة مهمة مستحيلة.
أنا أم عزباء، مما يعني أنني أبحث عن شقة لي ولابني. كوني امرأة تحمل هذا الاسم في روستوك، أكبر مدينة في الولاية، فإن الأمر شبه مستحيل. لديّ وظيفة وأكسب المال. ولكن ليس لدي أي فرصة في سوق العمل المفتوحة. [...] عندما أقوم بإجراء مكالمات هاتفية، على سبيل المثال، يجب أن أعطي معلومات عن أصل اسمي. وعادةً لا أتمكن حتى من الوصول إلى معاينة الشقة. أو قد أحصل على موعد المعاينة ثم فجأة تكون الشقة قد تأجّرت بالفعل.
لقد تم جمع نتائج صادمة في مجال الرعاية الطبية بشكلٍ خاصٍ. أبلغت النساء المتضررات عن التعرض لتجارب مدمّرة من التهميش والتمييز العنصري. بداية من الأوصاف العنصرية. ذكرت بعض النساء أن العاملين الطبيين لم يكونو يتكلمون معهنّ باللغة الألمانية فقط بسبب اسم العائلة. وبالنسبة لبعض النساء، كان هذا يعني عدم إشراكهن بشكل كامل في خطوات الرعاية الطبية وعدم استشارتهن. وحتى في الحالات الحرجة مثل المرض والحاجة إلى العناية بعد المرض، لا تتمتع النساء بالحماية من التعرض لمواقف عنصرية.
عندما كنت حاملاً، اضطررت للذهاب إلى المستشفى عدة مرات. كنت في غرفة مع امرأة ألمانية. ثم جاءت ممرضة إلى الغرفة، ربما كانت قد عادت لتوها من العطلة ولم أكن أعرفها بعد. كنت مستلقية في السرير مرتدية حجابي وظنت أنني لا أفهم الألمانية. التفتت إلى المريضة الألمانية وقالت: "هل أخرجك من هنا وآخذك إلى غرفة أخرى؟ […] كان ذلك سيئًا للغاية.
في نهاية المطاف، فإن استبعاد المهاجرين والمهاجرات الذين لا يحملون الجنسية الألمانية من حق التصويت وما يرتبط به من نقص التمثيل في المؤسسات السياسية أمر بالغ الأهمية لتثبيت الهياكل التمييزية. عند إلقاء نظرة على الدستور المحلي لولاية مكلنبورغ فوربومرن يظهر أنّه لا توجد قوانين صريحة لتنظيم تمثيل المهاجرين. ينص قانون البلديات على إمكانية وجود مجالس ولجان استشارية بصفة استشارية فقط. من الصعب التعرف على التمييز المؤسسي والعنصرية المؤسسية، خاصة بالنسبة للمتضررين، بل ويصعب أكثر من ذلك تسمية التمييز المؤسسي باسمه. فغالبًا ما يتم تبرير التمييز العنصري بسوء سلوك الأفراد، وفي الوقت نفسه لا يملك الأفراد سوى فرص محدودة لتغيير الهياكل التمييزية.
وعندما تدرك أخيراً أنه بغض النظر عما تفعله، وبغض النظر عن المكان الذي تعمل فيه، فإن ذلك لا يكفي بطريقة أو بأخرى. وبعد ذلك، عليك باستمرار أن تتقدم بطلب للحصول على شيء ما [...] بالطبع، حصلت على تخفيضات في كل مكان، يمكنك التقدم بطلب للحصول على كل شيء، ولكن هذا يعني أيضًا: عليّ أن أركض إلى المركز الفلاني، عليّ أن أركض إلى المدرسة، عليّ أن أكشف عن نفسي في كل مكان. وبالطبع هذا يجعلك تشعر بعدم الارتياح في مرحلة ما، لذا فالأمر منطقي نوعًا ما. لكن، صحيح، بالتأكيد سأقول أن الأمر كان مرهقًا للغاية.
توضح الفقرات المذكورة الترابط والتشعب بين التمييز العنصري على مختلف المستويات وتوضح أيضاً آلية التصنيفات العنصرية المختلفة. هذه الأسئلة التي يتم مناقشتها هنا لا مفر منها عند الحاجة إلى التغلب على مصاعب الحياة: كيف أحصل على تدريب مهني إذا أردت ارتداء الحجاب؟ كيف أحصل على المشورة الصحيحة في مركز التوظيف؟ كيف أدعو إلى مزيد من الحساسية في التعامل مع لون البشرة في حضانة الأطفال؟ كيف أحصل على شقة كأمّ عزباء؟ كيف يمكنني الحصول على توصية لأطفالي للالتحاق بالمدرسة الثانوية العليا؟ كيف يمكن أن يكون صوتي مسموعاً في مجتمعي؟