المقدمة
استراتيجيات التأقلم وعواقبها بالنسبة للنساء اللاتي يعانين من تجارب العنصرية
سيتم سرد الوقائع الحياتية للنساء اللاتي تمت مقابلتهن على شكل مقتطفات من السيرة الذاتية. جميع عناصر القصص التالية مأخوذة من المقابلات مع النساء. ولكن تمّ خلطها ومزجها مع العناصر الأخرى من أجل إخفاء هوية النساء المشاركات في المقابلات.
تتسم السير الذاتية للعديد من النساء ذوات الأصول المهاجرة، بما في ذلك اللاجئات، بمراحل طويلة الأمد من التوتر والضغط وتراكم أحداث الخطيرة والحرجة في الحياة، وكذلك الصدمة في بعض الحالات. ونتيجة لذلك تعاني المتضررات من شعور عميق بالعجز والحاجة إلى توخي الحذر دائمًا لأن بيئتهنّ تعتبر غير آمنة. وتواجه النساء اللاتي اضطررن إلى مغادرة بلد المنشأ أيضًا تحديات بسبب مشاعر الغربة الإقصاء والحزن على فقدان الأقرباء والمؤهلات والفرص.
وتؤدي العنصرية والتمييز العنصري إلى زيادة هذه المشاعر ويمكن أن تؤدي إلى استمرار عدم الثقة والانزعاج، وبذلك تؤدي أيضًا إلى فقدان الأمل والخوف واليأس من خلال التعليقات العنصرية تتلقى العديد من النساء ذوات الأصول المهاجرة أو اللاجئة رسالة مفادها: "أنت غير مرحب بك" أو "أنت لست جيدة كما أنت". وهي تجارب مؤلمة غالبًا ما تكون مصحوبة بالإحباط اليأس وعدم الثقة بالنفس. تأثير كل هذه التجارب كبير ولا يقتصر على زعزعة احترام الذات لدى المتضررات وحسب، بل يمكن أن يؤدي أيضًا إلى أزمات ويسبب أمراضًا نفسية. تشكل التجارب مع العنصرية والتمييز العنصري تأثيراً سلبياً إضافياً على الأشخاص الذين يعانون بالفعل من ضغوط نفسية شديدة، مما يجعل من الصعب، بل ومن المستحيل في بعض الأحيان، العثور على منزل في البلد الجديد. حتى النساء اللاتي لديهن عوائل ذات أصول مهاجرة يُحرمن من الانتماء إلى المجتمع الألماني في الحياة اليومية بسبب الاسم أو المظهر أو الدين. تقوم جميع الفئات المتضررة بتطوير استراتيجيات للتأقلم وذلك من أجل التعامل مع التصرفات المهينة لأفراد مجتمع الأغلبية والتجارب العنصرية - من أجل اكتساب القدرة على التصرف أو استعادة تلك القدرة مرة أخرى.
تعكس المقتطفات من السيرة الذاتية في الفقرات القادمة تجارب النساء من مكلنبورغ فوربومرن مع العنصرية وتقدم نظرة حول استراتيجيات التأقلم التي تتيعها المتضررات.
الحالة الأولى: غابوشكا، 23 سنة، نويبراندنبورغ
الحالة الأولى: غابوشكا، 23 سنة، نويبراندنبورغ
كنت جالسةً في قاعة كبيرة، وأمامي كان هناك رجلً يلقي محاضرةً، محاضرةً عن التطرف اليميني والتمييز العنصري في مكلنبورغ فوربومرن. كنت أستمع وأقول لنفسي أنع يجعلني أشعب بالحزن، بل وأيضاً بالغضب أحياناً. ماذا كان يقول؟ ليس هناك العديد من المشاكل هنا؟ نحن في وضع "جيد جدًا" مقارنة بالولايات الفيدرالية الجديدة الأخرى؟ حزب البديل من أجل ألمانيا ليس بهذه القوة هنا؟ فقط ما يقرب من 18٪ من مقاعد برلمان الولاية؟ وكدنا أن نهزم التطرف اليميني في مكلنبورغ فوربومرن لأن هناك الكثير من مراكز المشورة؟
كنت أحاول التوقف عن الاستماع، بالكاد أستطيع تحمل التواجد في هذه الغرفة. لقد فعلها مرة أخرى! هاهو يصمت عن حقيقة وجود العنصرية هنا أيضًا. بالطبع، بالتأكيد لا توجد مشاكل بالنسبة له! لكنني لم أكن أجرؤ على قول أي شيء، فكل من في الغرفة كان يعتقد أن الرجل مضحك وكفؤ.
بدأت بالتفكير في أمي وجدتي. لقد قدمنا إلى هنا قبل عشرين سنة، كمهاجرين عائدين من بلد النفي. كانت جدتي تقول دائمًا: في البداية كنت ألمانية طوال حياتي، والآن أنا روسية منذ 20 عامًا. أتذكر أننا كنا دائمًا نملك القليل جدًا من المال في منزلنا، ولم يكن لدى عائلتي أي شيء تقريباً. لقد كنا فقراء بالفعل في روسيا، بل وأكثر فقراً في ألمانيا. كانت أمي معلمة في روسيا وعملت كعاملة نظافة في ألمانيا. عملت جدتي كمديرة مدرسة في روسيا، لكن لم يُسمح لها أبدًا بالعمل هنا في ألمانيا. لقد كان وقتًا سيئًا بالنسبة لنا، حيث كان علي دائمًا القيام بأعمال التنظيف مع أمي في الشركة من بعد الظهر حتى المساء، ولم تكن طفولة لطيفة حقًا.
أعرف من القصص التي كانت تروى لي أننا عشنا في المنزل مع الكثير من العنصريين. ذات مرة قام شخص ما بإشعال النار في عربة الأطفال الخاصة بي في المنزل لأنه لا يريدنا كجيران له. لم أكن في العربة، لكن هل يمكنك أن تتخيل تأثير هذا الهجوم على علاقات الجوار؟ كانت أمي وجدتي خائفتين للغاية كل يوم لدرجة أنهما كادتا أن تحولا الشقة بأكملها إلى حصن. وحتى يومنا هذا لم تعد جدتي تخرج إلى الشارع بمفردها، بل برفقتنا فقط. إنها لا تشعر بالأمان. حتى يومنا هذا!
عندما كنت طفلةً فقدت القدرة على الكلام. نعم، حقا، لقد نسيت اللغة. كنا نتحدث اللغة الروسية دائمًا في المنزل، ثم أتينا إلى ألمانيا وفجأة لم يعد أمامنا سوى التحدث باللغة الألمانية. لقد كنت صامتةً لمدة أربع سنوات، وكنت عاجزةً عن الكلام. ما زلت أجد صعوبة في تحمل لكنة أمي حتى يومنا هذا -كنت أفكر دائمًا: لماذا لاتتكلمين الروسية وفقط، بالكاد أستطيع أن أفهمك عندما تتحدثين الألمانية! وربما كانت هذه هي المشكلة عندما كنت صغيراً. لم أعد أستطيع التحدث بالروسية بعد الآن، لكنني لم أستطع التحدث باللغة الألمانية أيضًا. وبعد ذلك ذهبت إلى روضة الأطفال، لكنني لم أتمكن من تعلم اللغة الألمانية بهذه السرعة. لقد كنت محظوظةً في المدرسة لأن المعلم كان يؤمن بي. حتى يومنا هذا لا أجرؤ على التحدث، على الرغم من أنني أتحدث الألمانية بدون لكنة وأدرس هنا.
لم أعد أتعلم اللغة الروسية ولا أفهم حتى سوى جزء منها. ومع أن أمي تعلمت اللغة الألمانية، ولكن ليس بالدرجة الكافية التي تمكننا من إجراء محادثة طويلة وجيدة فعلاً. بسبب ذلك أصبحت علاقتنا مع بعضنا البعض ليست جيدة، وهذا مؤسف جداً! هذا يدفعني إلى التفكير بجميع المهاجرين الآخرين والعائدين المتأخرين من المنفى إلى وطنهم وأتساءل عن حالهم مع لغاتهم الأصلية مع تغيير اللغة. هل يمكنهم أن يشعروا وكأنهم في وطنهم هنا أم أنهم يعتبرون أنفسهم غرباء دائمًا مثلي؟ لا أعرف، ولكنني آمل ألا يكون هناك في المستقبل الكثير من الأشخاص الذين يتحدثون عن الديمقراطية والعنصرية ممن لم يختبروا العنصرية، بل أن يكون هناك من لديه الكثير ليقوله في هذا الموضوع مثلنا نحن.
الحالة الثانية: لوميا، 47 عامًا، شترالسوند
الحالة الثانية: لوميا، 47 عامًا، شترالسوند
أنا امرأة عادية جداً، لدي أطفال، ومتزوجة منذ 19 عامًا، ولدي عمل. حياتي اليومية ليست شيئًا مميزًا. أحاول التوفيق بين الأسرة والعمل. نعم، أحيانًا أنجح أكثر وأحيانًا أقل، مثل أي شخص آخر. أحب الذهاب في العطلات، وأحب القراءة ولا أمارس الرياضة بما فيه الكفاية، فأنا للأسف لا أعطي لها حقها بما فيه الكفاية. أنا في الواقع مثل أي شخص آخر، لدي أيام جيدة وأيام سيئة. كما أنني أقلق على أطفالي وزواجي، ولكن من منا لا يعرف هذه المخاوف؟ لكنني مختلفةً بعض الشيء، على الأقل هذا ما أسمعه من وقت لآخر.
نادراً ما أتحدث عن همومي. غالباً ما يكون حجابي أكثر إثارة للاهتمام مني. لقد سُئلت بالفعل عما إذا كنت لا أشعر بالحرّ تحت حجابي أو إذا كنت أستحم وأنا أرتديه. يحدق الناس في وجهي عندما أعبر الشارع وقد تم البصق عليّ حتى. عادةً ما أخفض بصري وأحاول ألا أجذب الانتباه. أريد أن أفعل كل شيء بشكل صحيح، وهذا مهم جداً بالنسبة لي. أتوقع نفس الشيء من أطفالي، لا أريدهم أن يعطوا أي انطباع سيء. يجب أن يبذلوا قصارى جهدهم دائماً. أحاول التأكد من أن تكون صناديق الغداء الخاصة بهم مليئة دائمًا بالطعام الصحي وأن تبدو ملابسهم نظيفة دائمًا. أكوي كل شيء حتى لا يقول أحد أن أطفالي يبدون غير مرتبين. لديهم الكثير من الهوايات، وهذا أمر مهم بالنسبة لي. لا أريد أن يقول أحد أنهم غير مندمجين بشكل جيد. في الواقع، أنا بالكاد أفكر في أي شيء آخر. وهذا أيضًا يشغلني في الليل. أستلقي مستيقظة وأسأل نفسي، هل فعلت شيئًا خاطئًا؟ هل قدمت ما يكفي؟ أراجع كل شيء، كل موقف، أريد أن أبقى مسيطرة على كل شيء. ولكنني أدرك أيضًا أن الأمر يزداد صعوبة.
وكلما حاولت أن أفعل كل شيء على أكمل وجه، كلما أدركت أن ذلك لا يغير أي شيء إلى الأفضل. غالبًا ما تنفصني القوة لفعل ذلك، وأشعر بالعجز، لكن ربما تعرفن ذلك أيضًا؟ ربما تعرفين أنه عيد ميلاد طفلك وتقومين بإعداد دعوات جميلة لأصدقاء المدرسة وتحضّرين الألعاب، ولكن لا أحد من الأطفال يقبل الدعوات. هل مررتن بهذا؟ هل تعرفين كم هو سيء عندما لا تستطيعين فعل أي شيء؟ يجلس طفلك أمامك ويبكي لأنه لن يأتي أحد إلى حفلة عيد الميلاد. ماذا يجب أن أفعل؟ هل يجب أن أذهب إلى منزل جميع الآباء والأمهات وأقول لهم “نحن لسنا إرهابيين! ”؟ طفلي يتمنّى أن يجري عملية كهدية لعيد ميلاده. عملية تجعل طفلي أبيض اللون. طفلي يقول أنه يريد أن تكون مثل أي شخص آخر. ماذا يجب أن أجيبه كأمّ؟ كيف يجب أن تكون ردة فعلي؟
أنا بالفعل أبذل قصارى جهدي. نحن ندفع ضرائبنا، ونحن أناس متعلمون ونحاول أن نجعل حديق منزلنا الأمامية مزهرة ونبقيها مرتبة. ولكن هذا لا يكفي. إنه ليس كافياً. لن يكون كافياً مهما فعلت. أحيانًا أكون حزينًا جدًا لدرجة أنني أشعر بصداع شديد وألم في الأسنان. لا يجد الأطباء أي مشكلة في أسناني ويقولون أن كل شيء على ما يرام.
شعور الخوف على أطفالي لا يطاق. لقد تعرض أطفالي بالفعل للتهديد بالسكين أو المطاردة لمجرد أنهم أرادوا لعب كرة القدم مع أطفال آخرين. لدي مخاوف أخرى أيضًا. هل يمكنني الاستمرار في العمل في وظيفتي؟ لقد كان من الصعب جدًا الحصول على هذه الوظيفة بالفعل. كنت محظوظة. ولكنني أيضاً أعمل بجد لإظهار أنني أستحقها. . أنا أول من يصل إلى العمل وآخر من يغادر، ولا أكتب أبداً ساعات عملي الإضافية. أتولى جميع المهام التي لا يريد زملائي القيام بها. لكن المناخ السياسي يزداد سوءًا. إذا كان هناك تخفيض لبعض الموظفين، هل سأكون أول من يغادر؟ كيف سأجد وظيفة جديدة؟ لكن النساء الأخريات يعرفن ذلك أيضاً. كل النساء اللاتي لديهن أطفال يعرفن هذا الضغط. عليكِ أن تكوني ناجحة، وتفضّلين أن لا تتغيبي أبداً بسبب المرض، عليكِ أن تستمري في العمل.
كل هذا يدور في ذهني، ولكن كيف يمكن الحديث عن هذا الموضوع؟ كيف يمكنني أن أتحدث عن ذلك مع أطفالي؟ كيف يمكنني مشاركة مخاوفي مع زوجي؟ لديه ما يكفي من المشاكل الأخرى. أنا أستيقظ في الصباح وأصطحب أطفالي إلى المدرسة وأذهب إلى العمل وأستمتع بالقراءة والذهاب في العطلة. أنا مثلك تماماً. ألست كذلك؟
الحالة الثالثة: داشا، 38 عامًا، فيسمار
الحالة الثالثة: داشا، 38 عامًا، فيسمار
أستيقظ وأتمنى أن يمر اليوم سريعًا. أعمل كمعلمة، وأدرّس في الفصل المسمّى "اللغة الألمانية لغير الناطقين بها" أي الأطفال الذين لا يتحدثون الألمانية بعد، الأطفال ذوي الأصول المهاجرة أو اللاجئة. أشعر بالإرهاق الشديد كل يوم، وعليّ أن أفكر إلى متى سأستمر في هذا العمل. لقد حصلت على فصل “اللغة الألمانية لغير الناطقين بها” لأنني مهاجرة. يُطلق علينا اسم "فصل الرعاع" (Kanakenklasse) أي أنه من المفترض أن يكون المهاجر مع المهاجرين. ياله من أمر جميل! لقد سُئلت عدة مرات في الجامعة عن سبب رغبتي في الدراسة هنا، ولماذا أريد أن أعمل مدرسًا في مدرسة ابتدائية إذا لم أكن ألمانيةً. نعم، لماذا تريدون تدريس اللغة الإنجليزية إذا لم تكونو إنجليزين؟ لم أحصل على إجابة حتى الآن. وصلت إلى المطبخ وابني كان يجهز علب الغداء، واحدة لي والأخرى له. كان يقول ضاحكًا: “لقد جهزت لك بعض البسكويت، إنه جيد لأعصابك”. شعرت بحماسٍ شديدٍ لوقت قصير، لكن سرعان ما زال هذا الحماس: “عليك أن تعلمي الأجانب، هذا الأمر يتطلب الكثير من الطاقة!”. نظرت إليه بسرعة وسألته: “وما نكون نحن؟ هل نحن شيء آخر؟"
نظر إليّ وقال: “بالطبع! نحن مختلفون. لقد تأقلمنا، لكن هؤلاء الأجانب لا يريدون أن يتأقلموا" شعرت للحظة برغبة في البكاء. “لا يمكن أن تكون جادًا! لدينا أيضاً تاريخ من الهجرة أيضًا، يجب ألا تنسى ذلك أبدًا!” كلانا يجب أن نذهب إلى المدرسة، ليس هناك المزيد من الوقت للنقاش. أدرك كلانا أننا تطرقنا إلى موضوع محظور. أتساءل في نفسي، ما الخطأ الذي ارتكبته حتى يفكر ابني أصلاً بهذه الطريقة؟ هل هي اللغة؟ أندم بشدة لأنني لم أعلمه لغتي الأم. كنت لا أزال شابةً عندما ولد. وكنت لا أزال أدرس في الجامعة. كانت الولادة تجربةً مريعةً بالنسبة لي، فخلال الولادة سُئلت مرارًا وتكرارًا عما إذا كنت أتحدث الألمانية، ولكن مهما قلت، لم يتحدث معي أحد. كان الجميع يريد فقط التحدث إلى زوجي الألماني. كان ابني طفلًا يبكي طوال الوقت كما هو حال هذه النوع من الأطفال ، ولم أكن أعرف ماذا أفعل. كنت أشعر بالحنين الشديد إلى وطني، افتقدت عائلتي وأصدقائي كثيرًا. كنت (وما زلت) وحيدة للغاية!
حتى بعد مرور الوقت ظللت أتجنب العلاقة والتقارب مع ابني. كان الأمر مؤلمًا جدًا بالنسبة لي! أردته أن يصبح ألمانيًا، لكنني في الوقت نفسه لم أرغب في السماح بحدوث ذلك. ببساطة كان شيئاً مجنوناً! كان الوقت الذي قضيته معه عندما كان طفلًا صعبًا بالنسبة لي. كنت أخشى الخروج معه، كان يصرخ دائمًا، وكان الناس دائمًا ما يقولون: “أترى، المهاجرون دائمًا ما ينجبون الكثير من الأطفال ولا يعتنون بهم! من يدري ماذا فعلت له هذه المرة” كان من المحزن جداً بالنسبة لي أنني كنت أتحدث الألمانية، وإلا لما فهمت على الأقل ماذا كانوا يقولون. كنت أعرف أنني يجب أن أصبح ألمانية بشكل أكبر! لقد تعلمت الألمانية بجد واجتهاد، وتبنّيت التقاليد الألمانية فقط، وانخرطت في الجمعيات الطوعية واقتنيت كلبًا. الآن ابني يبلغ من العمر 13 عامًا وأشعر بالندم الشديد لأنني أشعر أنني فقدته. حتى عندما أصطحبه معي إلى وطني أخشى طوال الوقت أن يتصرف بطريقة ألمانية أكثر من اللازم فتبتعد عائلتي عنا أكثر فأكثر. لم يكن أنجب المزيد من الأطفال بسبب الضغط النفسي الذي كان يلازمني بسبب “عدم كوني ألمانية بشنل كافٍ” أو “ألمانية زيادة عن اللزوم”، ببساطة لم أستطع أن أحمل رغم أننا نتمتع بصحة جيدة كزوجين.
"صباح الخير”، تنادي تلميذات المدرسة. “تعالي بسرعة! إنها تسترجع ذكريات الماضي مرة أخرى!” تصرخ زميلتي. أعرف مسبقاً ما الذي ينتظرني. أعرف هذا المشهد كل يوم تقريبًا. طفلة صغيرة تجلس تحت المقعد، ترتجف وترتبك وعيناها غائمتان. أجلس بجانبها وأظل أقول لها: “لا تقلقي، نحن بأمان!” بعد مدّة تمرّ وكأنها دهر، تغفو معي ثم نعود إلى تدريس الألمانية مع التلميذات الآخرين. أرى الرتباك في عيون الأطفال الآخرين، فهم يعرفون بالضبط ما تشعر به الفتاة، ويعرفون ذلك جيدًا هم أنفسهم. تعود صور الحرب عدة مرات في اليوم الواحد، فهم يسترجعون الحرب في رؤوسهم مرارًا وتكرارًا. نحن نحاول جميعًا أن نبقى إيجابيين وأن نضحك أحيانًا. عم، كنت أعرف ذلك عندما استيقظت: سيكون اليوم طويلًا جدًا مرة أخرى وأريد أن ينتهي سريعاً.
الحالة الرابعة: سيمي، 17 عاماً، شفيرين
الحالة الرابعة: سيمي، 17 عاماً، شفيرين
أنا أسير في شارع مزدحم وطوال الوقت أقول لنفسي: “لا تنظري إلى الأعلى، لا تنظري إلى الناس!” أكره رؤية النظرات على وجوه الناس عندما ينظرون إليّ. “فقط بضع خطوات أخرى!” "وأخيراً، لقد فعلتها. وها أنا أقف أمام المدخل. على الفور ينتابني شعورٌ مؤلم لا يُحتمل يلتهمني. إنه ثقيل جدًا لدرجة أنني أشعر برغبة في الانسياب إلى الأرض، كما لو أن ألف كتلة من الأسمنت تسحبني إلى أسفل. إنه عبء ثقيل بشكل لا يوصف يجب أن أحمله معي، ولكن هذا هو الحال. لم يكن الأمر مختلفًا أبدًا من قبل. آخذ نفسًا عميقًا أخيراً أحاول دون جدوى أن أتخلص من هذا العبء وأذهب إلى مدرستي. في الممر ألتقي بفتاة تذهب إلى فصل آخر في نفس لصفي المدرسي : “مرحبًا يا شوكولاتتي!” تقول وهي تضحك. أشعر كم يجعلني هذا الأمر غاضبة، لكني متعبة جدًا من أن أجادلها في هذا الأمر، لا جدوى من ذلك على أي حال، لذا أبتسم لها وأواصل السير. لقد سئمت من ذلك! محتّم علي أن أجذب الأنظار إلي بسبب لون بشرتي. لا أحد يراني! فقط لون بشرتي. أنا دائمًا مختلفة بطريقة ما. بطريقة أو بأخرى لا أنتمي إلى هنا. أنا ببساطة غريبة.
جاء والدي إلى ألمانيا في طفولته ودرس هنا ويعمل هنا كطبيب. أمي امرأة ألمانية بيضاء البشرة ولديها وظيفة جيدة كمسؤولة في الكنيسة. أنا مولودةً هنا وعلى الرغم من كل شيء يُنظر إليّ باستمرار كأجنبية، ويُسألونني باستمرار: "منذ متى وأنت في ألمانيا؟ ماذا؟ 17 سنة؟ لكنك تتحدثين الألمانية بطلاقة!" أضطر هنا للضحك بنفسي، فأنا لا أستطيع التحدث بأي لغة أخرى غير الألمانية. إنها لغتي الأم. لكن الناس لا يبالون لذلك. كل ما يهمهم هو ما يفترض أنهم يدركونه وهو قائم على تصوراتهم المسبقة. بالنسبة لهم، لا يمكنني أن أكون أي شيء آخر غير أجنبية. لن يخطر ببالهم أبدًا أن يعتبروني "ألمانيةً حقيقيةً" بأي شكل من الأشكال. حتى معلمة صفي لم ترغب في إعطائي توصية للمتابعة في المدرسة الثانوية. كانت تخشى أن أواجه صعوبات في اللغة الألمانية. ياله من أمر سخيف. كانوا يتعاملون مع الأطفال الآخرين من أصول مهاجرة بنفس الطريقة. كلّ من لا يبدو ألمانياً بشكل كافٍ يتم تصنيفه تلقائياً على أنه مرشح للمدرسة المتوسطة. لقد التحقت بالمدرسة الثانوية رغم كل الصعاب، ولكن لماذا يجب أن يكون الأمر دائمًا صراعًا؟ هل سأتمكن يومًا ما من التوقف عن الكفاح؟
الدروس على وشك البدء. أنا جالسة وأقرأ بسرعة رسائلي على الواتساب. وأشعر بالقلق حول صديقاتي من أصول تركية. أنا أحبهم حقًا، فهم دائمًا على استعداد للمساعدة والدعم ويعتنون دائمًا بالآخرين. إنهم خائفون على والدتهم، فقد تعرضت للتعذيب والاغتصاب في السجن. وهي بالكاد تتحدث منذ ذلك الحين. إنهم يبذلون كل ما في وسعهم لجعلها تشعر بتحسن مرة أخرى، ولكن دون جدوى حتى الآن. هم يقدمون الكثير من أجل الآخرين لكنهم في نفس الوقت يعانون من صدماتهم الخاصة الناتجة عن تجربتهم باللجوء. لا أعرف كيف يتحملون ذلك. ولا أستطيع حتى تخيل ذلك. لكن العائلة مهددة الآن بالترحيل! أنا سعيدة للغاية لأنني مجرد شخص أسود، وأنني أحمل جواز سفر ألماني، وأنني ألمانية. ولكن الآن يجب أن أركز في دروسي، يجب أن أكون أفضل من جميع "الأطفال العاديين"، هذا ما يقوله لي والدي باستمرار. لا تجذبي الأنظار إليك، اندمجي وكوني الأفضل.
هناك دائماً خوفٌ مرافقٌ